" ويل لمن لا يرى سوى الأقنعة" كازانتزاكس
الرجل الشجرة..........
لم أكن أعرف أي شيء عنه. لا اسمه ، لا عمله ، لا أين يسكن .... أو أي شيء أخر فقط كنا نلتقي صباح كل يوم عمل في الباص 216.
نهبط معا في محطة وسط المدينة ...أسارع الخطى نحو عملي . يتأنى هو في مشيته متجها نحو ناصية شارع جرانت حيث يقف هناك يتطلع فيما يبدوا إلى بقعة في الجدار. أغادر عملي الخامسة مساء. أقف على الناصية المقابلة لانتظار الحافلة .. الرجل لازال هناك واقفا كالأشجار. تلك كانت البداية.
أحد ما قد غرس الرجل في هذا المكان. لم يكن يتحدث لأحد ولا أحد يتحدث إليه... اعتاده المارة كما يعتادون البنايات و الأشجار. لم نكن نعرف أسمه . لم يكن في ملامحه ما يميزه فأطلقنا عليه لقب الرجل الشجرة مع مر الأيام أصبح معروفا لدينا بالشجرة. كنت عند هبوب الرياح أتخيل رعشات أغصانه وفى الخريف تناثر أوراقه.
لم يكن يتحرك أو يبتسم أو حتى يتحدث . يماثل شجرة الصنوبر في الطرف الأخر من الشارع. هل فقد شيئا ما ......هل يبحث عن شيئا ما .؟ سألت صاحب البقالة المجاورة. قال لي وهو يدعك مؤخرة رأسه " لا أحد يعلم .. منذ حوالي ستة أشهر جاء..ولم يتحرك من هنا .. لقد تعودنا عليه ..... صدقني تمضى أيام كثيرة أمر بجواره ولا أحس بوجوده .. ستعتاده أنت الأخر". لم أعتاده .. استفزني بوجوده .. ما الذي يفعله هنا؟ "ربما يمارس رياضة روحية " قال زميلي في العمل. هل هو من رجال الله؟...... سألت.
تخيلت أن الطيور تطعمه الحَب. وأن الأرض تسقيه الماء. تساءلت..... ماذا يعمل حين تُمطر؟.... أو حين تهزه بقسوتها الرياح ؟ هل يسأل عن أحد؟ هل يسأل أحد عنه؟ ثم ...... ثم كيف يقضى حاجته؟.....
"يقال أنه قد فقد ابنته الصغيرة في نفس الموقع. ومن ذاك اليوم وهو يتطلع إلى بقعة الدم بالجدار" قال سائق الحافلة ....يقال ......
ماذا يفعل عندما يغادر المكان؟ هل لديه بيت؟ زوجة ..أخوة ..أبناء....جيران... اللعنة...لقد أصبحت مسكوناً به. ماذا لو كان أصل الإنسان شجرة؟؟.. وهل توجد القردة إلا بين الأشجار؟ "لماذا تشغل نفسك بهذا الرجل ؟" قالت زوجتي .. "تذكر نحن غرباء هنا ولديك طفلة صغيرة..فأنتبه لعملك ودع الناس وشأنهم." و.
قررت أن أبقى بعد انتهاء عملي .. أراقب الرجل علّي أعرف متى يغادر المكان ، والى أين يذهب. أبلغت زوجتي بأن لدي عمل إضافي وأنني سأتأخر . سرت لذلك ......فهذا يعني دخلا إضافيا ..... قهرني الشعور بالذنب ....ولكن..... مرت ساعات طويلة من المساء وقطع من الليل... والرجل لا يتحرك هذا مستحيل . لا بد له من الذهاب هنا أو هناك .. لا يتحرك .... لملمت أشتات هزيمتي وعدت مع أخر باص ينطلق من وسط المدينة طالعته من نافذة الباص ...واقف هناك كالأشجار. لا يتحرك.... أصبحت أكره الشجر ...سأقتلع شجرة يوما ما...
أخبرت زوجتي بما حدث .... لم أصدق ردة فعلها. هستريا من البكاء .. والألم ... والصياح حتى الصغيرة شاطرت أمها الصراخ .. هل جننت أنت ؟..... صاحت . وهل من الجنون أن نهتم بالأشجار؟؟؟... قلت.
استدعاني لمكتبه .... "أسمع يا ابني....".. قال رئيسي بصوت وقور " كنت من المتفوقين في عملك..... ولكنك مؤخرا كثير الشرود... هل من مشاكل مع زملائك..مشاكل في البيت .. مشاكل مالية ...." ثم أردف بعد سكون ...أم هو ...الحنين إلى الوطن ....؟ كيف لي أن أساعدك..؟..سألني... شكرت له اهتمامه ... ووعدته خيرا...... قبل أن أخرج من مكتبه .... قال لي ... ثم... ما قصة رسومات الأشجار التي تملأ مكتبك...؟
انقطعت عن الذهاب إلى العمل... تجنبت وسط المدينة. بقيت في البيت إحدى عشرا يوما . لم أغادره مطلقا. لم أحادث أحد. فقط أطالع بقعة في جدار المطبخ.
في اليوم الثاني عشر...... غادرت زوجتي وطفلتها المنزل دونما أن تودعني. حلمت تلك الليلة بغابة من الأشجار تحتفي بى
مع تحياتى ومرورى